الأفعى تطل برأسها
قبل أن تذهب بكم الطنون بعيداً نحو الأفاعي السياسية وهي تطل برؤوسها في كل أوان ومكان، فان الأفعى المقصودة هذه المرة هي صناعة التبغ العالمية التي أطلت برأسها مؤخراً تريد أن تنفث مزيداً من سمومها في أجوائنا بعد أن ضاقت ذرعاً بنظام منع أضرار التدخين الأردني الصامد منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً والذي يحرم كل أنواع الدعاية لمنتجات هذه الصناعة الضارة، والقصة ببساطة أن الأردن لا يكتفي بوضع عبارة ((التدخين يدمر الصحة ويسبب الوفاة)) على علب السجاير بل يضيف لها صورة للرئة التي نهشها السرطان لعلها تذكّر المدخن بالمصير الرهيب فيقلع عن التدخين، ويبدو أن هذه الاضافة الماهرة التي نالت جائزة منظمة الصحة العالمية في العام الماضي قد أتت بعض أكلها بدليل أنها أقضّت - ولو قليلا - مضاجع شركات التبغ وإلا لما تحركت - من وراء ستار كعادتها - لكي تغري المسؤولين الصحيين في الاردن بالتراجع عن وضع صورة الرئة المنهوشة الشوهاء.. لا تسألوني ما هي وسائل الاغراء والضغط التي استخدمتها تلك الشركات ولا عن اسمها أو الجهة الحكومية التي توسّطت من أجلها فذلك ليس مقصوداً ولا هو الذي يجدي، بل الذي يجدي ألا تتراجع وزارة الصحة عن التزامها الصادق في مكافحة التدخين الذي عُرفت به على مدى عقود والذي لا أظنه قد لان حتى حين كان مسؤولها الأول مدخنا أو كان مساهماً كبيراً في شركة لصنع السجائر! وهنا لا بد من التذكير بأن هذه الوزارة صمدت في عام 1987 حين حاولت شركات التبغ إغراء الصحف، وهي المجال الأهم للإعلان آنذاك، بدخل يقدر بثلاثة ملايين دينار حرمها منها نظام منع أضرار التدخين، لكن وزير الإعلام وقف بحزم إلى جانب وزارة الصحة بعد أن اقتنع بوجهة نظرها المتمسكة بمنع الإعلان لا لأن القانون يفرض ذلك فحسب بل لأن صحة الناس أغلى بكثير من الملايين الثلاثة المنثورة أمام الصحافة ولأن الأنفاق على علاج الأمراض الناشئة عن التدخين - كما أثبتت الدراسات - هي أضعاف ذلك المبلغ.
هل نستطرد في سرد قصص الأفعى التي تطل برأسها بين حين وآخر لأن همها الأول هو الربح الفاحش وليمت من الناس من يموت ولتتعذب البشرية بسموم الدخان المؤدية إلى الإدمان والسرطان.؟ فقبل أقل من عشر سنوات اكتشفت منظمة الصحة العالمية وأعلنت على الملأ أن شبكة من العاملين في صفوفها تتجسس سراً لحساب مصانع التبغ العالمية لقاء اعطيات مالية كي تنقل لها ما يدور في الاجتماعات الخاصة بخطط مكافحة التدخين كي تتمكن بدورها من احباطها أو تعويقها وهي واقعة تذكرني بما حدث في المنظمة الدولية عام 1986 يوم كان رئيسها ممثل الأردن وهاجمته إحدى الصحف السويسرية لأنه لم يلتزم (( الحياد )) أثناء ادارته اجتماع الهيئة العامة إذ أيد وزير الصحة الايرلندي حين ذكران في نية بلاده الاقتداء بالأردن ووضع قانون لمنع الإعلان عن السجائر.. ولا شك أن الأفعى كانت وراء ذلك! وبعد.. عندنا أمل في أن تواصل وزارة الصحة سياستها التاريخية في التمسك بقانونها ورفض كل الضغوط والمغريات ولن نطمئن إلا ببقاء ((الصورة المرعبة)) على علب السجائر.. فانتبهوا